كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهَا لَوْ اتَّحَدَتْ وَتَعَدَّدَتْ الزَّوْجَاتُ وَقَصَدَهَا عَنْهُنَّ كَفَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهَا كَالْعَقِيقَةِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ مُطْلَقًا فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْعَقِيقَةَ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ فَتَعَدَّدَتْ بِعَدَدِهَا بِخِلَافِ الْوَلِيمَةِ قُلْت يُمْكِنُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلِيمَةِ نَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سِرَّهَا رَجَاءُ صَلَاحِ الزَّوْجَةِ بِبَرَكَتِهَا فَكَانَتْ كَالْفِدَاءِ عَنْهَا فَلْتَتَعَدَّدْ بِعَدَدِهَا وَيُؤَيِّدُ التَّسْوِيَةَ مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهَا إذَا لَمْ يُولِمْ الزَّوْجُ أَنْ تُولِمَ هِيَ رَجَاءَ صَلَاحِ الزَّوْجِ لَهَا كَمَا يُنْدَبُ لِمَوْلُودٍ تَرَكَ وَلِيُّهُ الْعَقَّ عَنْهُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقِيقَةِ فَلَمْ تَفُتْ بِبُلُوغِهِ بَلْ تَأَكَّدَتْ وَالزَّوْجَةُ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْوَلِيمَةِ وَسَكَتُوا عَنْ نَدْبِهَا لِلتَّسَرِّي وَظَاهِرُ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّرَدُّدِ بَعْدَ وَلِيمَةِ صَفِيَّةَ فِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْلَفُونَهَا لِلسُّرِّيَّةِ وَإِلَّا لَجَزَمُوا بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَطَرِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا مَا مَرَّ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَاتِ الْخَطَرِ.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا لَيْلًا؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ لَيْلِيَّةٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا. اهـ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لَيْلًا.
الشَّرْحُ:
(فَصْل فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ).
(قَوْلُهُ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَخْ) يُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ إفَادَةً أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَلَوْ مُقَيَّدَةً وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ الْإِطْلَاقُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ تَقْيِيدِهَا كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُوجِبُ الْغَفْلَةَ.
(قَوْلُهُ فَيَحْصُلُ الْإِيهَامُ) أَيْ إيهَامٌ مَعَ انْصِرَافِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ.
(قَوْلُهُ لِلزَّوْجِ) خَرَجَتْ الزَّوْجَةُ وَقَوْلُهُ امْرَأَةً غَايَةٌ لِلسَّيِّدِ.
(قَوْلُهُ وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ فِيمَا يَظْهَرُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا أَدَاءٌ أَبَدًا وَفِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ الدَّمِيرِيِّ مَا نَصُّهُ (تَتِمَّةٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْفُقَهَاءُ لِوَقْتِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ قَالَ الشَّيْخُ وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَوَقْتُهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِمُدَّةِ الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا وَبَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ قَضَاءً انْتَهَى وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ.
(فَائِدَةٌ):
فِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ سُئِلَ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لَا قَالَ وَالْجَوَابُ عِنْدِي أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ الْمَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَرِوَايَةُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنْ الْآيَاتِ ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ فِعْلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ أَرْبِيلِ وَأَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْخَطَّابِ بْنَ دِحْيَةَ صَنَّفَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ التَّنْوِيرَ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ثُمَّ حُكِيَ أَنَّ الشَّيْخَ تَاجَ الدِّينِ عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ اللَّخْمِيَّ السَّكَنْدَرِيَّ الْمَشْهُورَ بِالْفَاكِهَانِيِّ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ ادَّعَى أَنَّ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ الْمَوْرِدَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَمَلِ الْمَوْلِدِ ثُمَّ سَرَدَهُ بِرُمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهُ أَحْسَنَ نَقْدٍ وَرَدَّهُ أَبْلَغَ رَدٍّ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ حَافِظِ إمَامٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ أَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَحَاسِنَ وَضِدِّهَا فَمَنْ تَحَرَّى فِي عَمَلِهَا الْمَحَاسِنَ وَتَجَنَّبَ ضِدَّهَا كَانَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَمَنْ لَا فَلَا قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى فِيهِ مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إسْدَاءِ نِعْمَةٍ وَدَفْعِ نِقْمَةٍ وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي هُوَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى الْيَوْمُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ بَلْ تَوَسَّعَ قَوْمٌ فَنَقَلُوهُ إلَى يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ عَمَلِهِ.
وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنْ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ السَّمَاعِ وَاللَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحًا بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلسُّرُورِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ وَمَهْمَا كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَيَمْتَنِعُ وَكَذَا مَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى. اهـ. اهـ. ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ الْحَافِظَ بْنَ نَاصِرِ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِوِرْدِ الصَّادِي فِي مَوْلِدِ الْهَادِي قَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ يُخَفَّفُ عَنْهُ عَذَابُ النَّارِ فِي مِثْلِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ سُرُورًا بِمِيلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَنْشَدَ إذَا كَانَ هَذَا كَافِرًا جَاءَ ذَمُّهُ وَتَبَّتْ يَدَاهُ فِي الْجَحِيمِ مُخَلَّدَا أَتَى أَنَّهُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا يُخَفَّفُ عَنْهُ لِلسُّرُورِ لِأَحْمَدَا فَمَا الظَّنُّ بِالْعَبْدِ الَّذِي كَانَ عُمْرُهُ بِأَحْمَدَ مَسْرُورًا وَمَاتَ مُوَحِّدَا انْتَهَى وَقَدْ أَطَالَ فِي إيضَاحِ الِاحْتِجَاجِ لِكَوْنِ الْمَوْلِدِ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ مَعَ إيضَاحِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْبَغِي اسْتِفَادَتُهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ حُسْنُ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَرَّرَ فِي ذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ بَيَانَ انْقِسَامِ الْبِدْعَةِ إلَى الْأَحْكَامِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يُنَافِي كَوْنُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةً كَوْنَهُ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ) قَدْ يُقَالُ هُمَا عَامَّانِ وَمَا هُنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ الشَّاةُ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَصِحُّ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ بِشَاةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَعَمُّ مِنْ الشَّاةِ قُلْت؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ بِالشَّاةِ تَقْتَضِي أَنَّهَا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فَلَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ شَاةً وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِوُجُوبِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ الِاقْتِضَاءَ الْمَذْكُورَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» مَعَ إجْزَاءِ مَا دُونَهُ فِي الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِاقْتِضَاءُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الْمُبَالَغَةِ فَيُعْمَلُ بِهِ إلَّا لِمُعَارِضٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَوُجِدَ هُنَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ إلَخْ) فَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ إلَّا الْعَقِيقَةَ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِيهَا شَاةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِهَا.
(قَوْلُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَهُ) أَيْ وَلَوْ مَشْرُوبًا كَاللَّبَنِ وَمَاءِ السُّكَّرِ وَهَلْ تَحْصُلُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ فِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهَا كَالْعَقِيقَةِ) قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ عَنْ الْعَقِيقَةِ شَاةٌ وَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَهَا وَلَا غَيْرُ الْحَيَوَانِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَيُؤَيِّدُ التَّسْوِيَةَ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ لِلتَّسَرِّي) سَيَأْتِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّسَرِّي الْإِنْزَالُ وَالْحَجْبُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ ذَلِكَ هُنَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي طَلَبِ الْوَلِيمَةِ مُجَرَّدُ الْإِعْدَادِ لِلْوَطْءِ وَلَا يَبْعُدُ دُخُولُ وَقْتِ وَلِيمَةِ التَّسَرِّي بِقَصْدِ الْإِعْدَادِ الْمَذْكُورِ قَارَنَ عَقْدَ التَّمَلُّكِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ دُخُولُهُ عَلَى حُصُولِ الِاسْتِمْرَارِ كَمَا أَنَّ وَلِيمَةَ الزَّوَاجِ تَدْخُلُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ لِنَحْوِ حَيْضٍ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَجَزَمُوا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ يَكْفِي فِي التَّرَدُّدِ وَعَدَمِ الْجَزْمِ احْتِمَالُ مَطْلُوبِيَّتِهَا عِنْدَهُمْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَهْمِ إيَّاهَا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) فِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّهُ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لَا قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ الْمَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَرِوَايَةُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنْ الْآيَاتِ ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ فِعْلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ أَرْبِيلَ وَأَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْخَطَّابِ بْنَ دِحْيَةَ صَنَّفَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ التَّنْوِيرُ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ أَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَحَاسِنَ وَضِدِّهَا فَمَنْ تَحَرَّى فِي عَمَلِهَا الْمَحَاسِنَ وَتَجَنَّبَ ضِدَّهَا كَانَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَمَنْ لَا فَلَا.
قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إسْدَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ بَلْ تَوَسَّعَ قَوْمٌ فَنَقَلُوهُ إلَى يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ عَمَلِهِ وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنْ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ السَّمَاعِ وَاللَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحًا بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلسُّرُورِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ وَمَهْمَا كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَيُمْنَعُ وَكَذَا مَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ نَاصِرِ الدِّينِ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِوِرْدِ الصَّادِي فِي مَوْلِدِ الْهَادِي قَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ يُخَفَّفُ عَنْهُ عَذَابُ النَّارِ فِي مِثْلِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ سُرُورًا بِمِيلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَنْشَدَ إذَا كَانَ هَذَا كَافِرًا جَاءَ ذَمُّهُ وَتَبَّتْ يَدَاهُ فِي الْجَحِيمِ مُخَلَّدَا أَتَى أَنَّهُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا يُخَفَّفُ عَنْهُ لِلسُّرُورِ بِأَحْمَدَا فَمَا الظَّنُّ بِالْعَبْدِ الَّذِي كَانَ عُمْرُهُ بِأَحْمَدَ مَسْرُورًا وَمَاتَ مُوَحِّدَا انْتَهَى. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي إيضَاحِ الِاحْتِجَاجِ لِكَوْنِ الْمَوْلِدِ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ مَعَ إيضَاحِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْبَغِي اسْتِفَادَتُهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ حُسْنَ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَرَّرَ فِي ذَلِكَ الْمُؤَلَّفِ بَيَانَ انْقِسَامِ الْبِدْعَةِ إلَى الْأَحْكَامِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يُنَافِي كَوْنُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةً كَوْنَهُ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ. اهـ. سم.